الخشوع

الرقاق

الخشوع


الحمد لله رب الأرض ورب السماء، خلق آدم وعلمه الأسماء

وأسجد له ملائكته، وأسكنه الجنة دار البقاء.

وحذره من الشيطان ألد الأعداء، ثم أنفذ فيه ما سبق به القضاء، فأهبطه إلى دار الابتلاء

... وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ليس له أنداد ولا أشباه ولا شركاء...

وأشهد أن محمدًا خاتم الرسل والأنبياء

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وصحابته الأجلاء

أما بعد...

قال النبي: "وجعلت قرة عيني في الصلاة"،قرة العين هو الشيء الذي تقر به الاعين فلايطمحون إلى غيره.

أي أن لاتقر إلا بدخوله في الصلاة، كما تقر عين المحب بملابسته لمحبوبه، وتقر عين الخائف بدخوله في محل أنس وأمنه، فقرة العين بالدخول في الشيء أتم وأكمل منه قبل الدخول فيه.

سر الصلاة ولبها "إقبال القلب فيها على الله وحضوره بين يديه"

الصلاة كالمأدبة "وليمة" فيها جميع أنواع العطايا من الله –" قوة في القلب، نور، هداية، محبة الله، محبة العباد، مال، صحة"- والله يدعوك إليها كل يوم خمس مرات، وفيها كل ألوان اللذة والمنفعة والمصلحة، لأن النفوس فيها فقر وجدب وحاجة فالله جدد لك الدخول للمأدبة لسد الحاجة، وهذه رحمة من الله بك بأن دعاك للصلوات الخمس وهيأ فيها كل أنواع العبادات لتنال في كل قول"قرءان، ذكر، دعاء"، وفعل "ركوع قيام سجود خضوع جلوس" وسكون وحركة في الصلاة حظك من عطايا الله فيها.

الصلاة كالإستسقاء عندما يكون بنا جدب وفقر وقحط " غفلة وذنوب ومعاصي واعراض"، نستسقي ونصلي فيمطر علينا ما به نبات الإيمان من كل زوج بهيج " أنس بالله وخشوع في الصلاة وتدبر في القرءان وتفكر في الذكر"، فالغفلة هي قحط القلوب وذكر الله والصلاة غيثها، فإن توقفت الصلاة صارت القلوب أرض ميته خربه يابسة بور.

الخشوع

أول صفة للمؤمنين هي الخشوع في الصلاة، قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ"

 

الخشوع هو لين القلب، ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته، فإذا خشع القلب تبعه خشوع الجوارح " السمع والبصر والوجه كما قال النبي في ركوعه"خشع لك سمعي وبصري وما استقل به قدمي".

فهو يرى: أن خضوع الجوارح هو ثمرة لخضوع القلب، ولينه،

 

وشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يرى أن الخشوع يتضمن معنيين: أولهما: التواضع، والتذلل.

والثاني: السكون، والطمأنينة، يقول: "وذلك مستلزم للين القلب، ومنافٍ للقسوة، فخشوع القلب يتضمن عبوديته لله، وطمأنينته أيضاً،

لو خشع القلب ستسكن الخواطر والإرادات الرديئة التي تنشأ عن اتباع الهوى فينكسر ويخضع لله.

الا وان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".

 

قال النبي: ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيُحسن وضوءَها، وخشوعها، وركوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤتِ كبيرة، وذلك الدهر كله

 

استعاذ النبي من قلب لايخشع فقال: "اللهم إني أعوذ بك من قلب لايخشع ومن نفس لاتشبع ومن علم لاينفع ومن دعوة لايستجاب لها".

 

قال تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ، وَالصَّلَاةِ، وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ

الصلاة كبيرة الا على من خشع فيها، النبي اذا حزبه أمر

 

قال النبي: ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتد قوله في ذلك، حتى قال: ليَنتهُنّ عن ذلك، أو لتُخطفنّ أبصارهم

 

ومما يدل على تأكد الخشوع في الصلاة أن صلاة الظهر يشرع تأخيرها عن أول الوقت إلى حد الإبراد، مع أن الصلاة في أول الوقت محبوبة إلى الله

 

ومما يدل على أهميته أيضاً أن الله استبطأ المؤمنين في تحقيق هذا الوصف: فقال: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ [الحديد:16] يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فدعاهم إلى خشوع القلب في ذكره، وما نزل من كتابه، ونهاهم أن يكونوا كالذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم

يقول الحسن البصري - رحمه الله - : "إن المؤمنين لما جاءتهم هذه الدعوة من الله صدقوا بها، وأفضى يقينها إلى قلوبهم، وخشعت لله قلوبهم، وأبدانهم، وأبصارهم، وكنتُ، والله إذا رأيتُهم رأيتُ قوماً كأنهم رأى عين - يعني: للجنة، والنار

الخشوع عند السلف

.

حذيفة قال: أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة" ورب مصلٍّ لا خير فيه، ويوشك أن تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيه خاشعاً

وكان عبد الله بن الزبير يسجد، فيأتي المنجنيق، فيصيب ثوبه، ولربما أصاب طرف ثوبه، وهو لا يتحرك في صلاته، ولا يرفع رأسه، ولا يلتفت، ودخل عليه رجل بيته فإذا به يصلي، فسقطت حية على ابنه هاشم، فصاحوا: الحية، الحية، ثم قتلوها، وما قطع صلاته، ولما سئل بعد الصلاة قال: "ما شعرت بشيء من ذلك

ويقول ثابت البناني: "كنت أمر بابن الزبير، وهو خلف المقام يصلي كأنه خشبة منصوبة لا تتحرك ووصفه بعضهم إذا صلى كأنه عود من الخشوع، وكان يسجد فلربما نزل الطير على ظهره تحسبه الطيور جذع حائط

وكان مسلمة بن بشار في المسجد فانهدمت طائفة من المسجد، فقام الناس، ولم يشعر أن أسطوانة المسجد قد انهدمت

وهذا يعقوب الحضرمي لم يُر في زمانه مثله، بلغ من زهده أنه سُرق رداؤه عن كتفه، وهو في الصلاة، ورُد إليه، ولم يشعر

ووقع حريق في بيت على بن الحسين، وهو ساجد، فجعلوا يقولون: يا ابن رسول الله، النار، النار، فما رفع رأسه حتى أُطفئت، فقيل له في ذلك فقال: "ألهتني عنها النار الأخرى

ثابت البناني: "كابدت الصلاة عشرين سنة، وتلذذت بها عشرين سنة

قال بعض السلف: استعيذوا بالله من خشوع النفاق، قالوا: وما خشوع النفاق؟، قال: أن يرى الجسد خاشعًا والقلب ليس بخاشع".

فالباطن الذي هو محل للخشوع أصلاً قد صار فارغاً من هذا الخشوع، فظهر ذلك مرتسماً على وجه صاحبه، وظاهراً على جوارحه، ولكن قلبه قد فرغ منه، فهذا لا فائدة فيه

عمر بن الخطاب رأى رجلاً طأطأ رقبته في الصلاة، فقال: "يا صاحب الرقبة، ارفع رقبتك، ليس الخشوع في الرقاب إنما الخشوع في القلوب

وكان الأوزاعي - رحمه الله - كما وُصف - : كأنه أعمى من الخشوع "يعني أن ذلك أثر أيضاً على بصره، ونظره"

حسان بن عطية - رحمه الله - : "إن الرجلين ليكونان في الصلاة الواحدة، وإن بينهما في الفضل كما بين السماء، والأرض

الفضيل بن عياض فكان سبب توبته أنه عشق امرأة فواعدته ليلاً، فجاء يرتقي الجدران، وبينما هو يتسور ليصل إليها سمع قارئًا يقرأ: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [الحديد:16] فرجع، وهو يقول: "بلى والله قد آن" فآواه الليل إلى خَرِبة، وبها جماعة من السابلة من المسافرين، وبعضهم يقول لبعض: إن فضيلاً يقطع الطريق - وهم لم يشعروا بمكانه - فقال: "أوّاه، أراني بالليل أسعى في معاصي الله، وقوم من المسلمين يخافونني، اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي إليك جوار بيتك الحرام"وفي بعض الروايات أنه قال لهؤلاء القوم: أنا الفضيل، جُوزوا - يعني: امضوا في طريقكم، وسفركم - والله لأجتهدن ألا أعصي الله أبداً، فرجع عن ذلك

 

مراتب الخشوع:

الأولى: وهي التذلل لأمر الله مع الاستسلام لحكمه، مع التواضع لنظر الله

فالتذلل لأمر الله - تبارك، وتعالى - : أن نتلقاه بذلة من غير استنكاف، ومن غير نفرة، ومن غير تعالٍ عليه، وإنما يخضع العبد لأمر ربه، ومولاه

وأما الاستسلام لحكم الله فإذا نزلت به مصيبة، أو بمن يحب، فإنه يتلقى ذلك بالصبر، والرضا دون أن يتسخط، ودون أن يعترض على الأقدار، فهو لا يعارض أمر الله الشرعي بشهوة، ولا برأي، ولا يعارض قدر الله بتسخط، و تذمر، وامتعاض

وأما ما يتعلق بالتواضع لنظر الله فهو أن يتواضع القلب، والجوارح لله فينكسر قلبه، وينكسر العبد أيضاً لاستشعاره أن الله ينظر إليه، ويراه، وأن الله مطلع عليه، يعلم تفاصيل أحواله

وأما المرتبة الثانية: فهي الرجوع إلى النفس باستشعار نقصها، وضعفها، وعجزها،

ارجع إلى نفسك، وانظر إلى عيوبها، فإن ذلك يورثك انكساراً، وأمّا في الخلق فلا تنظر إلى عيوبهم، بل انظر إلى محاسنهم، فيورثك ذلك شعورًا بأنك أقل من هؤلاء جميعاً، وأنك المقصر المذنب، تحتاج إلى عفو ربك، ومسامحته، وإلى التشمير بالتقرب منه، وطاعته. 

أن يستشعر العبد أنه مقصر، ومذنب، فيورثه ذلك أيضاً تواضعاً، وأما في نظره إلى الخلق فإنه يرى فضاءلهم، ومحاسنهم، فنظره إلى النفس بأن لا يلتفت إلى محاسنها، ومن ثَمّ فلا يطالب الناس بحقوقه عليهم، ولا يطالب الناس أن يقدموا له شيئاً من الإكرام، والإجلال، أو يتشوق إلى رد المعروف الذي استشعره عليهم، لكنه في المقابل إذا نظر إلى الناس فإنه ينظر إلى إفضالهم، وإحسانهم، وينظر إلى مناقبهم، ومحاسنهم، فيثني عليهم، ويشكر معروفهم، ويحفظ صنائعهم، فلا تضيع، ولا تنسى، وهذا لا شك أنه من أكمل الكمالات، أن العبد ينظر إلى نفسه بعين النقص، وينظر إلى غيره بالنظر إلى فضائلهم، ومحاسنهم، ومن ثَمّ فإنه لا يتعالى على الخلق، ولا يجحد لهم معروفاً، وصنيعاً

أما المرتبة الثالثة: فهي أن يصفي قلبه من النظر إلى المخلوقين، فلا يلتفت إليهم بعمله الصالح، فلا يعمل أعمالاً صالحة، وقلبه يتشبث بهم، ويتطلع إليهم، هذا مع إخفاء أحواله عن المخلوقين، فلا يعرفون أحواله مع الله  من عبادة، وخشوع، وإخلاص، وغير ذلك مما قد يظهره العبد للناس، فهذا شيء بينه، وبين الله تعالى، فصارت مراتبه ثلاثاً

كيف يكون الخشوع؟

أن تستحضر نظر الله تعالى إليك في حركاتك، وسكناتك في صلاتك، وفي قراءتك، وفي قيامك، وقعودك، فالخشوع لا يختص بالصلاة، وإنما هو عبادة قلبية يظهر أثرها على الجوارح في كل أحوال العبد، فهذا سبب أساسي في تحصيل الخشوع

كلما كان العبد أكثر استحضاراً لهذا المعنى كلما زاد الخشوع في قلبه، وإنما يفارق الخشوع قلبك إذا حصلت الغفلة عن استشعار نظر الله

على بن الحسين زين العابدين كان إذا مشى لا تجاوز يده فخذيه، ولا يخطر بها يعني ما يقول بيده إذا مشى هكذا يُحركها، ولا يقول بها هكذا، وهو يمشي كأنه قد زها بنفسه، فهو يمشي بشيء من الإعجاب، والغرور، والتعاظم، وإنما صفة مشية المتواضع أن يجعل يديه إلى فخذيه دون أن يخطر بها، فإن هذا يذهب الوقار، والخشوع - الحركة الكثيرة - وكذلك لا يجافي بين يديه، وكان إذا قام إلى الصلاة اضطرب، وارتعد، فقيل له - سُئل عن هذا - فقال: "تدرون بين يدي من أقوم، ومن أناجي؟

وكان إذا توضأ للصلاة يصفر لونه من شدة الوجل، والحياء، والخوف، واستشعار عظمة الله، والنظر إليه، سيقدم على صلاة يناجي فيها ربه فيظهر ذلك صفرة في وجهه، كمن أراد أن يلاقي عظيمًا من العظماء، فقد يظهر ذلك الوجل على قسمات وجهه، وعلى حركاته، وسكناته، حتى إن بعضهم كان إذا قام إلى الصلاة، ووقع ذباب على وجهه لا يطرده بيده، ولا يحرك رأسه لطرد الذباب؛ لغلبة الخشوع عليه

وهذا خلف بن أيوب كان لا يطرد الذباب عن وجهه في الصلاة، فقيل له: كيف تصبر؟! قال: "بلغني أن الفساق يتصبرون تحت السياط ليقال: فلان صبور" يعني الفساق إذا جلدوا، وضربوا الحدود، أو إذا جلدوا تعزيراً فإن الواحد منهم يتجلد لا يتحرك، وهو يجلد ليظهر للآخرين أنه لا يبالي، ولربما فعل ذلك بعض الطلاب في المدارس إذا أراد المعلم أن يعاقب بعض الطلبة فلربما أظهر تجلداً فقال بيده هكذا، ولم يحركها فربما ضُرب ضرباً يكسر العظم، وهو لا يتحرك ليظهر التجلد، فهذا كان يستشعر هذا المعنى - وهو خلف بن أيوب - فيقول: إذا كان هؤلاء يتجلدون للسياط، فكيف لا نتجلد أمام رب الأرباب، نتجلد عن دفع هذا الذباب؟ يقول: "أنا بين يدي ربي أفلا أصبر على ذباب يقع عليّ؟

استشعار المراقبة يورث الحياء من الله

لابد أن تشعر بالحياء أثناء الصلاة لأنه صبور علينا وعلى معاصينا له

قال ابن القيم رحمه الله:

" والرب تعالى هو الصبور بل لا احد اصبر على  سمعه منه"

كان مهيب ابن الورد يقول:

"خاف الله على قدر قدرته عليك واستحى منه على قدر قربه منك"

وذكر ابن القيم في كتابه الجواب الكافي:

يقول"تمكين الله لعبده من المعصية وستره عليه حتى يقضى وطره منها وحراسته له وهو يقضى وطره من معصيته والعبد يستعين على المعصية بنعم الله ثم بعد أن ينتهي يتركك فلا يعلم بك احد حتى يموت وهذا من أقوى الدواعي لمحبته"

وقف الفضيل بعَرَفَه والناس يدعون وهو يبكى بكاء الثكلى المحترقة قد حال البكاء بينه وبين الدعاء فلما كادت الشمس تغرب رفع رأسه إلى السماء وقال واااسوءاتاه  منك وان عفوت وااحياءاه منك وان غفرت

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ان الله حيي كريم يستحى من عبده اذا يرفع يديه إليه ان يردهما صفرا "

الله يستحى منك ... فهل تستحي منه ؟؟؟؟؟؟؟

فهل تستحي منه ؟؟؟؟؟؟

تذوق هذا المذاق في الصلاة

وعش لذة الصلاة

مما يعينك على الخشوع علمك أن صلاتك بلا خشوع تعب بلا حسنات. قد يقول قائل: كيف تكون بلا حسنات؟

النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن العبد ليصلي الصلاة ما يكتب له منها إلا عُشرها تُسعها ثُمنها سُبعها سُدسها خُمسها رُبعها ثُلثها نُصفها

سبحان الله على أي أساس تُقسم ؟ بحسب الخشوع كل ما خشعت أكثر كلما حصلت على اجر أكثر إن خشعت  ثلاث ركعات أخذت ثلاث ركعات ... وان خشعت اثنتين أخذت اثنتين ...  وان لم تخشع شيئا يُخشى أن لا يكتب لك اجر .  كيف ؟؟!!  الصلاة باطله؟!

لا ليست باطلة ، صحيحة ولكن مسألة الحسنات مسألة أخرى

يقول ابن عباس رضي الله عنهما :  ليس لك من صلاتك إلا ما عَقَلت منها

الثاني: المحبة والخوف والرجاء

قال ابن القيم: "القلب في سيره إلى الله - عزَّ وجلَّ - بمنزلة الطَّائر؛ فالمحبَّة رأسه، والخوف والرَّجاء جناحاه، فمتى سلِم الرَّأس والجناحان، فالطائر جيِّدُ الطيران، ومتى قطع الرأس، مات الطائر، ومتى فقد الجناحان، فهو عرضة لكل صائدٍ وكاسر".

الخوف والرَّجاء للمؤمن كالجناحيْن بالنِّسبة للطائر، لكنَّه يطير بهما في سماء التعبُّد لربِّه - عزَّ وجلَّ - ولابدَّ من تَحقيق التَّكافؤ والتَّوازُن بين الخوْف والرَّجاء؛ حتَّى تستقيمَ حياة المؤمن في الدُّنيا، ويفوز بالنَّعيم في الآخرة؛ إذ إنَّ تغليب الخوف دون حاجةٍ إليْه يُفضي إلى القنوط، كما أنَّ تغليب الرَّجاء دون حاجة إليه يُفضي إلى الأمن المؤدِّي إلى التفريط

عن أنَسِ بنِ مالكٍ - رضي الله عنه -: أن النبي - صلَّى اللهُ عليْه وسلَّم - دخل على شابٍّ وهو في المَوْتِ، فقَالَ: ((كيف تَجِدُكَ؟)) قالَ: واللهِ يا رسولَ اللهِ، إنِّي أَرْجُو اللهَ، وإنِّي أخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليْه وسلَّم -: ((لا يَجْتَمِعَانِ في قَلْبِ عَبْدٍ في مِثْلِ هَذا الْمَوْطِنِ؛ إلاَّ أعْطَاهُ اللهُ ما يَرْجُو، وآمَنَهُ ممَّا يَخَافُ))

الرجاء

أن ترجو رحمة الله كلما عرفت الله أكثر زاد رجائك في الصلاة أكثر " أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء

يجب ان نكون موقنون باستجابة الله للدعاء ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

"ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة "

اطلب رحمة ربك وأنت  موقن بالإجابة ، ولكن  بشرط أن تكون رجــــــــــــاء وليس أماني

الرجاء أن  تدخل بالمشاعر السابقة ولكن بالعمل ،أما الأماني  بلا عمل

ما دمنا نرجو رحمة الله فعلينا أن نعمل له ، قال تعالى :"وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى"سورة طه

قال النبي صلى الله عليه وسلم :"ان لله مائة رحمة انزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام ..فيها "الواحدة من المائة"

يتعاطفون و بها يتراحمون و بها تعطف الوحش على ولدها وأخر الله تسعا وتسعين يرحم بها عباده يوم القيامة "أخرجه الشيخان

قال تعالى :" وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ "سورة الأعراف

وسعت رجلا قتل 99 نفسا واتم المئة بعابد ... وأنت لم  تقتل احدا  فلما لا ترجو رحمته

ابو نواس واسمه الحسن بن هانئ  كان في اول حياته  ماجنا خمارا يكثر من كلام الفحش، لكنه تاب إلى الله فاستبعد الناس توبته فوجدوا أسفل وسادته بعدما مات:

يا ربى إن عظمت ذنوبي كثرة     فلقد علمت بأن عفوك أعظم

إن كان لا يرجوك إلا محسن      فبمن يلوذ ويستجير المجرم

ادعوك ربى كما أمرت تضرعا       فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم

"قال بعضُ الحكماء في مناجاته: إلهي، لو أتانِي خبرٌ أنَّك غيرُ قابل دعائي، ولا سامع شكْواي، ما تركت دعاءَك ما بلَّ ريقٌ لساني، أين يذهب الفقيرُ إلا إلى الغني؟ وأين يذهب الذَّليل إلا إلى العزيز؟ وأنت أغنى الأغنياء، وأعزُّ الأعزاء يا رب".

وقال بعض العبَّاد: "لمَّا علِمْتُ أنَّ ربِّي - عزَّ وجلَّ - يلي مُحاسبتي، زال عني حزني؛ لأنَّ الكريم إذا حاسب عبدَه تفضَّل"

وقال ابن المبارك: جئتُ إلى سفيان الثَّوري عشيَّة عرفة، وهو جاثٍ على ركبتيه، وعيناه تهملان، فقلتُ له: مَن أسوأ هذا الجمْع حالاً؟ قال: الذي يظنُّ أنَّ الله لا يغفِر لهم.

وقد أجْمع العلماءُ على أنَّ الرَّجاء لا يصحُّ إلا مع العمل

أمَّا ترْك العمل، والتمادي في الذنوب، اعتمادًا على رحمة الله، وحسْنِ الظنِّ به - عزَّ وجلَّ - فليس من الرَّجاء في شيء، بل هو جهل، وسفه، وغرور؛ فرحمة الله قريبٌ من المحسنين لا من المفرِّطين، المعاندين، المُصِرِّين

الخوف

معادلة الرجاء بشعور الخوف والهيبة والخشية

        قال ابن القيم:

"هيبة الجلال هي أقصى  درجه يشار لها في غاية الخوف

ما الفرق بين الخوف والخشية والهيبة؟

قال ابن القيم:

الخوف : هو الهروب  من المخوف  منه

الخشية  : هي الخوف مع علم فإذا زاد علمه بربه يخشاه

قال تعالى " إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء "سورة فاطر

الهيبة : هي الخوف  مع تعظيم

الجمع بين الخوف والرجاء بأن تخاف من الله وترجو مغفرته

كل شيء تخافه تفر  منه  ،عدا الله  تخافه فتفر إليه

قال  تعالى :"مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً "سورة نوح

ما يزيد هيبة الله في قلبك

-         علمك بربك " وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ " سورة آل عمران.

-          علمك بنفسك "بَلِ الإنسان عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ " سورة القيامة

قال  تعالى  : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أنتمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ "سورة فاطر

قال تعالى :"وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ "سورة هود

قال النبي  صلى الله عليه وسلم :"سيكون  باخر الزمان  خسف وقذف ومسخ  إذا ظهرت المعازف والقينات "الغانيات" واستحل الخمر"

صور من استشعار خوف الله

جبريل عليه السلام بقوته وعظمة خلقه وقوه خلقه وان بسط جناح  من أجنحته لسد الأفق وله 600 جناح،قال  صلى الله عليه وسلم عنه : مررت ليلة  اسري بي بالملا الأعلى وجبريل كالحلس البالي من خشية الله "القماش الذي يوضع  تحت الدابة  القديم  ... هيبة لله  عز وجل "

مِن الملائكة مَنْ هو ساجد وراكع لا يرفع رأسه إلى يوم القيامة ويقولوا سبحانك ما عبدناك حق  عبادتك

زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما  إذا توضأ يصفر وجهه ويتغير  يقال له مالك .. فيقول  .. تدرون بين يدي  من أقوم ؟

كان علي بن أبي طالب اذا  حضرت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه فيقال له  مالك  يقول  لقد حضر وقت أمانه عرضها الله على السموات والأرض والجبال  فأبين أن يحملنها وأشفقن  منها  وحملتها أنا

سعيد بن عبد العزيز كان يبكي إذا صلى، وكان إذا صلى على الحصير يسمع من بجانبه، وقع الدموع على الحصير تتقاطر، وكان قد سُئل: ما هذا البكاء الذي يعرض لك في الصلاة؟ قال: "يا ابن أخي، وما سؤالك عن ذلك؟" فقال السائل: رجاء أن ينفعني الله بذلك، فقال: "ما قمت إلى صلاة إلا مُثلت لي جهنم"

كأنه يرى جهنم مسعرة، وأهلها يصطرخون فيها وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فاطر:37] فكان ذلك يورثه خشوعاً، وبكاء في صلاته

يقول بعض السلف: "لو رأيتَ أحدهم، وقد قام إلى صلاته، فلما وقف في محرابه، واستفتح كلام سيده خطر على قلبه أن ذلك المقام هو الذي يقوم فيه الناس لرب العالمين؛ فانخلع قلبه، وذهل عقله" تخيلْ هذا: الناسُ في صفوفهم للصلاة يقفون صفوفاً فتتذكر، وتستشعر الوقوف بين يدي الرب  فيخشع الإنسان، وينكسر قلبه. 

وكان منصور بن صفية يبكي في كل صلاة، وكانوا يرون أنه يذكر الموت، والقيامة في صلاته فيبكي هذا البكاء

فالخوف  من الله به  لذة عظيمة

جرب أن يمتليء قلبك من هيبة الله

سبحانك  ما أعظمك

المحبة

هو الذي تنافس فيه المتنافسون، وإليه شمر السابقون ،فهو غذاء الأرواح وقرة العيون

وهذا الشعور يقول ابن القيم رحمه الله :

متى خلى القلب منه فهو كالجسد الذي لا روح فيه

فهو النور وهو شفاء وهو اللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام

انه شعور الحب (حب الله )

قال تعالى "فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ  "سورة المائده

يقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه:"وأسألك الشوق إلى لقائك

قال صلى الله عليه  وسلم :"ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان"

أول ما ذكر النبي عليه أفضل الصلاة والسلام :"أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما

يقول ابن القيم في كتابه" طريق الهجرتين":

وهو سبحانه يحب رسله وعباده المؤمنين ويحبونه،بل لا شيء أحب إليهم منه ولا أشوق إليهم من لقائه،

ولا اقر لعيونهم من رؤيته ولا أحظى عندهم من قربه

إليك وإلا لا تشد الركائب ** ومنك وإلا فالمؤمل خائب

وفيك وإلا فالحب مضيع **وعنك وإلا فالمحدث كاذب

يقول ابن القيم في كتابه "الفوائد":

"وكما انه ليس كمثله شيء فليس كمحبته شيء

نسأل الله الخشوع في الصلاة لنا جميعا

د. أم مارية الأثرية "آلاء ممدوح محمود"